موقع معروف

النشرة القانونية

للاشتراك مجانًا بخدمة الأخبار القانونية التي تقدمها شبكة المحامين العرب، ومتابعة أهم الأخبار القانونية اليومية ، ارسل كلمة " اشترك - الإمارات " أو "Subscribe - uae" على الرقم التالي ثم اضف رقم الخدمة بقائمة جهات الإتصال لديكم

  أستعراض تاريخيًا   02/09/2020 الحق في الانترنت

بتاريخ  2 سبتمبر 2020م

الحق في الانترنت

يستخدم ما يقرب من نصف سكان العالم شبكة المعلوماتية العالمية (الإنترنت) وتنتشر الهواتف الذكية في أيدي بني البشر في مختلف أنحاء العالم، وتتواصل مجهودات نشر الإنترنت في مناطق طالما ظلت بعيدة عن التكنولوجيا بمساهمة الشركات العملاقة مثل «جوجل» و«فيسبوك». ومع تزايد أهمية العالم الافتراضي في حياتنا، ومع ارتفاع عدد مستخدمي الانترنت عبر العالم إلى عدة مليارات من الأشخاص، لجأت العديد من الحكومات إلى توفير خدماتها عبر الشبكة المعلوماتية، حيث ظهرت مفردات ومصطلحات «الحكومة الالكترونية» و«الحكومة الذكية» و«الحكومة الرقمية» و«حكومة 24 ساعة». وفي ظل جائحة كورونا التي لا زال العالم أجمع يعيش فصولها ومراحلها المختلفة، ومع تطبيق مبدأ التباعد الاجتماعي أو التباعد الجسدي الموصى به من قبل منظمة الصحة العالمية كتدبير ضروري ولازم في مواجهة هذه الجائحة، أصبح العالم الافتراضي هو الملاذ الوحيد أمام كل فئات المجتمع لممارسة أنشطتهم المختلفة، سواء كانت مهنية أو تعليمية أو ثقافية أو سياحية. وهكذا، بدأنا نسمع بانتظام واطراد مفردات «العمل عن بعد» و«التعليم عن بعد» و«الاجتماعات عن بعد» و«المحاكمات عن بعد» و«الندوات الافتراضية» و«الجولات السياحية الافتراضية» و«التصويت عن بعد» وغيرها من المفردات التي تشير إلى استخدام شبكة الانترنت كملاذ آمن من فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19). وعلى هذا النحو، لم يعد متصوراً في الفترة الراهنة أن يمارس الفرد أنشطته المختلفة وأن يتفاعل مع الحياة في المجتمع بدون أن تتوافر لديه مكنة الاتصال بالعالم الافتراضي.
وهكذا، غدا الانترنت متطلباً أساسياً ولم يعد مجرد ترف أو رفاهية. ولن يكون في مكنة الإنسان أن يمارس حقوقه الدستورية، من عمل وتعليم وتقاضي وتصويت، بدون أن يكون لديه جهاز كمبيوتر موصولاً بشبكة الانترنت. ومن ثم، يثور التساؤل عما إذا كان مقبولاً ومستساغاً إطلاق لفظ «الحق» على التمتع بالإنترنت. وإذا كان الأمر كذلك، فما هي مفترضات ومستلزمات كفالة هذا الحق لكل مواطن أو فرد.
وفي الإجابة عن هذا التساؤل، وفي العشرين من ديسمبر 2017م، اعتبرت الحكومة البريطانية أن من حق كل شقة وكل شركة أو مشروع تجاري في المملكة المتحدة الحصول على انترنت سريع بحلول العام 2020م. وبناء على ذلك، فإن شركات الانترنت سوف تكون ملزمة قانوناً بتوفير خدمة الانترنت السريع لأي شخص يطلبه حتى لو كان في مكان بعيد أو قرية نائية. وبدورها، وفي العشرين من سبتمبر 2019م، أصدرت المحكمة العليا في ولاية كيرالا الهندية حكماً يقضي باعتبار الحق في الانترنت أحد الحقوق الأساسية. وقد صدر هذا الحكم بمناسبة الدعوى المرفوعة من طلاب إحدى المدارس بسبب حرمانهم من الاتصال بشبكة الانترنت لعدم تقيدهم بالقيود المفروضة على استخدام الهاتف المحمول. وفي هذا الحكم، أكدت المحكمة أن الحق في الوصول إلى الانترنت جزء من الحق الأساسي في التعليم والحق في الخصوصية المقرر بموجب المادة الحادية والعشرين من الدستور الهندي.
ومن ناحية أخرى، يربط البعض بين الحق في الانترنت والحق في التنمية. إذ يدعو هؤلاء إلى ضرورة توفير الانترنت على نطاق واسع، وبحيث يكون متاحاً لكل إنسان الوصول إلى شبكة المعلوماتية العالمية، مؤكداً أن انتشار الإنترنت سيقود مُباشرةً إلى النمو الاقتصادي والتنمية. ولا غرابة أن تصدر هذه الحجج ويتم ترديدها وتكرارها من شركات التكنولوجيا، حيث يعود عليها بالنفع انتشار الإنترنت وانضمام مستخدمين جدد إلى خدماتها. ولكن الأمر ليس قاصراً على شركات التكنولوجيا، وإنما تتردد الأفكار ذاتها في أروقة مؤسسات التنمية الدولية، والتي تدافع عن دور الإنترنت في دعم التنمية والحد من الفقر. وفي المُقابل، توجه بعض الأصوات الأكاديمية سهام النقد إلى فكرة الحتمية التكنولوجية، مؤكدين زيف الاعتقاد بأن التكنولوجيا وحدها دون عوامل أخرى ستُشكل عالمنا، ويعيبون بالتالي على تجاهل التداخل المعقد بين المجتمعات والسلوكيات البشرية والتقنيات، ومنها الإنترنت.
وفي هذا الصدد، ولتقييم أثر الانترنت على التنمية، تجدر الإشارة إلى إحدى الدراسات التي قام بها فريق من الباحثين في معهد أوكسفورد للإنترنت، حيث عمدت هذه الدراسة إلى بيان قيمة حجج المدافعين عن تأثير الإنترنت الإيجابي على التنمية والأدلة المتاحة في الواقع، وركزت بشكل أساسي على قارة أفريقيا التي يكثر الحديث عن نهضتها الرقمية وثورة المعلومات فيها. وقامت الدراسة بإجراء تحليل لسياسات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في ستة بلدان أفريقية وثلاثة عشر تقريراً من شركات ومؤسسات التنمية وهيئات استشارية، وركز التحليل على تأثير الإنترنت على النمو الاقتصادي وانعدام المساواة. وكان من اللافت اتساع الهوة بين الواقع وتصورات الحكومات والمؤسسات التنموية عن الآثار الإيجابية للإنترنت. وبينما اعتبرت السياسات الرسمية والتقارير أن الإنترنت قوة إيجابية هائلة لا جدال فيها تدفع النمو الاقتصادي والتغيير الاجتماعي، وصفت الدراسات الأكاديمية أثر الإنترنت على التنمية بغير المؤكد والمتباين، حيث يقل كثيراً في دول الجنوب، أي الدول النامية، عن دول الشمال المتقدمة. كما بيّن البحث أن بعض الحجج المدافعة عن دور الإنترنت تغفل عن عمد أو سهو العديد من الحقائق الواضحة للعيان، وأن العديد من التقارير الصادرة في هذا الشأن والتي تروج لدور الانترنت في التنمية تعتمد على أساليب بسيطة في تقييم تأثيرات الإنترنت وتقديمها كنتائج قاطعة، ومن ذلك خطأ أحد التقارير في اقتباس مصدر يدعم حجته في تخفيف الإنترنت من التفاوت العالمي، وهو ما يتعارض مع العديد من الدراسات الدقيقة التي تذهب في اتجاه عكسي. ووفقاً للدراسة، فإن ترويج هذه الرؤى، مع مخالفتها لواقع الحال، يحمل خطر تحول التنمية الرقمية الشاملة إلى وهم أو سراب، الأمر الذي من شأنه أن يتسبب في إهدار الخطط السياسية والجهود الحكومية للوقت والموارد سعياً وراء أهداف مضللة.
وغني عن البيان أن نتائج الدراسة سالفة الذكر لا تعني التقليل من دور الإنترنت في التنمية، وإنما تدعو إلى رؤية أكثر دقة تعترف بالمخاطر والعواقب غير المقصودة التي تُصاحب انتشار الإنترنت، وتُدرك تباين قيمة التكنولوجيا بين العالمين النامي والمتقدم. كما أن تكنولوجيا المعلومات قد تزيد حدة الانقسامات التي يعاني منها المجتمع. وبالتالي سيكون من الخطير تجاهل ذلك كله والتظاهر بأن زيادة انتشار الإنترنت تكفل وحدها تنمية أفضل للجميع وفي كل مكان. يؤيد ذلك أن تقرير التنمية الدولية الصادر مؤخراً عن البنك الدولي يكشف بشكل واضح وجلي أن التنمية الرقمية ظلت بعيدة المنال عن كثيرين في دول الجنوب العالمي، وأن الاستفادة الفعلية من الإنترنت لصالح فقراء وضعفاء العالم تتطلب نقاشات مفتوحة وصريحة بين المؤمنين بالتنمية الرقمية والمتشككين فيها.
والواقع أنه لا مراء ولا خلاف في أن الانترنت غدا مفترضاً ضرورياً ولازماً لممارسة الحقوق والحريات، الأمر الذي يغدو معه واجباً إطلاق لفظ «الحق» على التمتع بالإنترنت. وسندنا في ذلك هو المبدأ التفسيري القائل إن «ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب»، والقاعدة الأصولية القاضية بأن «الوسائل تأخذ حكم المسائل». والله من وراء ال