موقع معروف

النشرة القانونية

للاشتراك مجانًا بخدمة الأخبار القانونية التي تقدمها شبكة المحامين العرب، ومتابعة أهم الأخبار القانونية اليومية ، ارسل كلمة " اشترك - الإمارات " أو "Subscribe - uae" على الرقم التالي ثم اضف رقم الخدمة بقائمة جهات الإتصال لديكم

أستعراض تاريخيًا   01/09/2007 الغش التجاري

البيان - السبت 1 سبتمبر 2007 ، 19 شعبان 1428 هـ ـ العدد 9936 السنة الثامنة والعشرون

الغش التجاري

- بقلم - قتيبة العاني:
 يتحدث الرحالة المسعودي في كتابه الشهير «مروج الذهب» عن ظباء المسك، فيميز بين المسك التبتي والمسك الصيني لسببين: (السبب الأول أن ظباء التبت ترعى حشائش عالية الجودة ذات رائحة طيبة، بينما ظباء الصين ترعى حشائش أقل جودة وأدنى مرتبة.
السبب الثاني: أن أهل التبت يحافظون على المسك معبأً في أوعية، بينما أهل الصين يخرجونه ويغشونه بالدم وغيره من أنواع الغش، وحين يصدرونه بحراً يتعرض للرطوبة واختلاف درجات الحرارة.
أما إذا لم يلحق المسك الصيني غش، وأودع في أوانٍ زجاجية أحكم إغلاقها، ثم صُدر إلى بلاد الإسلام من عمان وفارس والعراق وغيرها من الأمصار فإنه يكون كالمسك التبتي)، وهنا ينتهي عرض المسعودي. لم أفاجأ إذن بأن الغش التجاري ليس بجديد على الصين،
حيث طالعتنا الصحف الأسبوع الماضي بأنه تم سحب معاجين أسنان ولعب أطفال من الأسواق بسبب مضارها وعدم مراعاتها المقاييس ومعايير الجودة الدولية في تصنيعها، فهناك ملابس وسلع استهلاكية يتم تصنيعها من منتجات تدوير القمامة في الصين وغيرها من دول شرق آسيا مما يسبب ضرراً كبيراً لكل من يستخدمها.
وتؤكد دراسة لجامعة الدول العربية أن المنطقة العربية تحتل مرتبة متقدمة في الشراكة الاستراتيجية الصينية، والمعروف أن العديد من الشركات في العالم وبالخصوص الصينية منها من أكثر الكيانات التي لا تلتزم بقوانين الإغراق وحقوق الملكية الفردية،
ومشكلة المستهلك العربي أنه لا يهتم بالتأكد من جودة السلعة خاصة إذا كانت رخيصة، وتقوم الولايات المتحدة وأوروبا بإنفاق المليارات من الدولارات لمكافحة السلع الرديئة التي ترد إليها من الخارج، والمشكلة ليست بجديدة، ولكنها بدأت قبل أكثر من ثلاثة عقود،
إلا أنها استفحلت اليوم بقوة بسبب سياسة العولمة التي يضع الغرب قيوداً محكمة لحماية صناعاته، في حين يتجاهل ويغض الطرف عن حماية منتجات بلدان العالم النامي. الأمر الذي دعا المستوردين لإغراق المنطقة العربية بالسلع الرديئة التي أثرت على اقتصاداتها، جراء توريد سلع مقلدة بأسعار رخيصة.
وتكمن المشكلة الكبرى في أن الشركات الصينية وبمعاونة بعض المستوردين العرب استغلت ما يعرف باسم (الهندسة العكسية) أسوأ استخدام فهم يقومون بشراء السلعة الأصلية التي كلفت شراء الفكرة وحتى التصنيع ثم تقوم الشركات المتخصصة في الصين بتحليل هيكل هذه السلعة الذي تقوم عليه ثم تقوم بتصنيع منتج مشابه في الشكل بخامات رديئة ورخيصة،
وبالتالي يخرج المنتج يحمل المواصفات الشكلية للسلعة الأصلية، ولكنه يباع بسعر أرخص، وليست الصين الوحيدة التي تقوم بهذه العمليات بل معظم بلدان العالم ويضمنها الوطن العربي. إلا أن الصين من أكثر دول العالم مرفوع ضدها دعاوى قضائية
بسبب الإغراق لدرجة أن الدول الأوروبية والولايات المتحدة فرضت على وارداتها القادمة من الصين رسوم عالية لمكافحة أسلوبها في سرقة المنتجات وتقليدها، فلا توجد سلعة تجارية، إلا وتسعى المصانع الصينية لتقليدها بدءاً من السلع البسيطة والمركبة والمنتجات الكيماوية والدراجات والمنسوجات القطنية والأواني وإطارات السيارات.
وحتى ندرك فداحة الأمر فإننا يجب أن نعرف أن آخر قضايا الإغراق ضد الصين كانت عبارة عن قيام إحدى الشركات الصينية بإغراق الأسواق الأميركية بعصير التفاح المركز بسعر يقل عن تكاليف إنتاجه في مصنعه الأصلي بالولايات المتحدة الأميركية بنحو 85% وهو ما أدى إلى إغلاق معظم المصانع الأميركية العاملة في مجال تصنيع إنتاج هذا العصير، وفي مصر كشفت إحصاءات قضايا الإغراق أن أكثر من 50% من تلك القضايا كانت ضد الصين.
إن انتشار السلع الرديئة في الوسط الاستهلاكي والتجاري العربي يعد مرضاً اقتصادياً خطيراً، ومن الضروري أن تقوم الجهات المعنية والمتمثلة بالمجلس الاقتصادي لجامعة الدول العربية بإعداد استراتيجية عربية خاصة بمكافحة الغش التجاري وحماية الملكية الفكرية لحماية الصناعات العربية،
وان أضرار ذلك المرض الاقتصادي الخطير لا تقف عند حد الأضرار الاقتصادية بل تتعداها إلى تهديد حياة المستهلك وتغيير النمط الاجتماعي التي ستنتشر فيها ثقافة الغش والتدليس، والمجتمع العربي اليوم بحاجة إلى وجود منظومة قوانين رادعة تضمن سلامة المعروض من السلع والخدمات ومطابقتها للمواصفات القياسية مع وجود تشريع متكامل لحماية المستهلك، بالإضافة إلى توعية المستهلكين من أخطار تلك السلع على الصحة وعلى الصناعة الوطنية.

كاتب ومحلل اقتصادي

قرار بتعديل القرار بتشكيل اللجنة الوطنية لمكافحة الغش التجاري